مصارف الظل في العراق: حين يُقرضك الظل ويَسحب منك النور
- د.علي الراوي

- May 1
- 2 min read
Updated: May 2
في كل اقتصاد، هناك من يعمل تحت ضوء الشمس، يخضع للقانون، ويؤمن بالشفافية… وهناك من يختبئ في الزوايا، يقدم نفس الخدمة لكن بثمن باهظ. مصارف الظل هي تلك الجهات التي لا تضيء ساحة الاقتصاد، بل تسحب منها النور.
ورغم أن الاسم قد يبدو درامياً، فإن "مصارف الظل" ليست خيالاً روائياً، بل واقعاً مالياً متنامياً في العراق. هي مؤسسات وأشخاص يقدمون خدمات شبيهة بالبنوك: إقراض، تقسيط، تمويل، استثمار… لكن خارج المنظومة الرسمية، ودون رقابة، ودون حماية.

🏦 اقتصاد مزدوج: حين يتعايش النظام مع الفوضى
في العراق، تعايش النظام المصرفي الرسمي مع شبكة من البدائل المالية غير المنظمة.البنوك تعاني من ضعف ثقة، وإجراءات مرهقة، ونطاق خدمة محدود، خاصة في الأرياف. في المقابل، ظهرت شبكات من:
مكاتب الإقراض الخاص بفوائد يومية.
الباعة بالتقسيط الذين تحولوا إلى ممولين.
وسطاء استثمار غير مرخصين.
مجموعات تمويل عبر واتساب أو فيسبوك.
وتطبيقات قروض رقمية لا يُعرف من يديرها أو أين تقع.
هؤلاء يقدمون التمويل، لكن دون ضمانات قانونية، أو دراسة للجدوى، أو حماية للمقترض. والنتيجة: سيولة مشوهة، ومخاطر صامتة، وثقة تتآكل ببطء.
📉 الوصول إلى المال لا يعني الوصول إلى الأمان
من بعيد، قد تبدو هذه المنظومة مفيدة: فهي توفر المال بسرعة، وتسد فجوة ترفض البنوك تغطيتها.لكن المال، حين يُمنح بلا دراسة، يتحول من وسيلة للفرج إلى أداة للخنق.
لا عقود قانونية تحمي الطرف الضعيف.
لا تقييم للمخاطر أو قدرة السداد.
لا رقابة أو تدخل من البنك المركزي.
وفي النهاية، يتحول المال من وسيلة للنهضة إلى وقود لحريق اجتماعي قادم.
🧠 الوجه الأخطر: مافيات القروض وعبودية العصر الحديث
في أحلك الزوايا، حيث لا رقابة ولا ضوء، وُلد نوع جديد من المقرضين. ليسوا شركات… بل عصابات مالية.يمنحون القروض بسرعة، لكن يشترطون فوائد خيالية: 100% عمولة، وفائدة يومية، وعقوبات ضمنية إذا تأخرت.
يستهدفون الشاب العراقي حين يكون أضعف ما يكون:يريد أن يتزوج، أو يعالج والده، أو يفتح مشروعًا صغيرًا… فيقع في شِرك الدَين، دون أن يراه قادماً.
ثم يبدأ الانحدار:
يُقتطع راتبه بالكامل.
يتهرب من الناس.
يدخل في مشاكل قانونية.
وقد يُسجن في النهاية بسبب قرض لا يتجاوز بضعة ملايين.
وهكذا، يتحول الشاب من حلم منتِج إلى عبد دَين عصري، لا يُقيَّد بالسلاسل… بل بسكوت المجتمع، وبنصوص غائبة، وبخوف لا يُقال.
🔄 ثقافة مكسورة: عندما تصبح الفوضى عادة
الخطر لا يكمن فقط في المال، بل في ما يخلقه من منطق جديد.حين يصبح الإقراض غير القانوني شائعًا، ويُنظر إليه كحل طبيعي… فإن القانون يفقد هيبته، والبنك يفقد سلطته، والمواطن يفقد بوصلته.
حينها، تُكافَأ الفوضى، ويُعاقب النظام. ويصبح من الصعب إقناع الناس بأن "الطريق الرسمي" هو الأكثر أمانًا.
🧩 الحل ليس في الحظر… بل في الإضاءة
مصارف الظل وُجدت لأنها ملأت فراغًا. لا يمكن محاربتها بالوعيد فقط.بل نحتاج إلى إعادة هندسة النظام المالي، ليكون أقرب إلى المواطن، وأقل تعقيدًا، وأكثر ثقة.
اجعلوا البنوك أقرب إلى الناس، لا الناس أقرب إلى الخطر.
افتحوا أبواب الترخيص للجهات الصغيرة، بشروط عادلة.
أطلقوا حملات توعية ذكية، تشرح للناس الفرق بين المال السريع والمال الآمن.
تحدثوا بلغة الشارع، لا بلغة القانون فقط.
🔚 الخاتمة: لا اقتصاد يُبنى إذا كانت الثقة تعيش في الظل
ما يجري في العراق ليس مجرد أزمة قروض… بل أزمة فلسفة اقتصادية.كل شاب يشعر أنه لا يُسمع، وكل تاجر يُخدع، وكل مستثمر يُخوَّف… هو لبنة في انهيار الثقة.
ولن تُحل الأزمة إلا إذا أعدنا النور إلى مكانه.
لأن الاقتصاد لا ينهض بالقروض فقط… بل بالثقة.والثقة لا تولد في الظل.




Comments