top of page
Search

حين تُهدد المضائق… ترتجف الأسواق

  • Writer: د.علي الراوي
    د.علي الراوي
  • Jun 22
  • 5 min read

(مضيق هرمز بين التصعيد الإيراني والقلق العالمي)



هناك أحداث نقرأها في نشرات الأخبار… ثم ننسى.وهناك أحداث — وإن لم تقع بعد — تظل عالقة في قلب الاقتصاد، في خيال السوق، وفي حركة المتداولين.

منذ أيام، عادت نغمة قديمة إلى الواجهة:إيران تهدد بإغلاق مضيق هرمز، في حال تطور النزاع مع إسرائيل.

ربما يبدو التصريح سياسيًا. وربما تراه القوى الكبرى مجرد ورقة ضغط.لكن في لغة الاقتصاد… مثل هذه التصريحات ليست مجرد خبر، بل زلزالٌ صامت ينتقل في أروقة البورصات، وشاشات المتداولين، وغرف استراتيجيات كبرى الشركات.

في عالم الاقتصاد، ليست المضائق ممرات مائية فقط… بل هي شرايين تُغذي الأسواق، وصمّامات أمان لسلاسل الإمداد.وكل شريان يُهدد… يُحدث رجفة في الجسد كله.


ree


🌍 مضيق هرمز: حين يتحكم البحر بثقة العالم

في الاقتصاد الحديث، هناك مسلّمة يرددها الجميع:"الأسواق تحتاج إلى تدفق حر للطاقة كي تنمو."لكن ما لا يُقال كثيرًا هو أن هذا "التدفق الحر" قائم على نقاط هشّة جدًا… من بينها مضيق هرمز.

فلننظر إلى الصورة بتأمل:

هذا الممر المائي الصغير — بطول لا يتجاوز 160 كم، وبعرض لا يزيد عن 39 كم في أضيق أجزائه — يحمل على ظهره يوميًا 20 مليون برميل من النفط… أي خمس ما يحتاجه العالم كل يوم.

ليس مجرد رقم.

بل هو شريان حياة لمليارات البشر:

  • 🚢 السفن العملاقة تنقله إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية.

  • 🏭 المصانع في أوروبا تعتمد عليه لتشغيل الماكينات.

  • 🏘️ ملايين المنازل في الهند وآسيا تُدفّأ به شتاءً.

  • ✈️ حتى الطائرات التي تُقلّ الركاب حول العالم… تحتاج وقودًا مرّ عبر هذا الممر.

فكر بها لحظة:

هذا الاقتصاد الرقمي الذي يملأ حياتنا — من الهواتف إلى السيارات الكهربائية إلى المتاجر الذكية — كلّه قائم على بنية طاقوية تمر من قنوات مثل مضيق هرمز.

ليس البحر ما يتحكم بالثقة… بل هشاشته.

في كل صباح، حين تعبر ناقلات النفط المضيق، يراقبها العالم دون أن يقول ذلك صراحة.فمرور الناقلات هو بمثابة تصويت يومي على استقرار السوق.

إذا مرّت بسلام — يبقى السوق هادئًا.وإن توقفت — يبدأ الذعر.

ولهذا حين يُلوّح بإغلاق المضيق، لا تهتز فقط أسعار النفط… بل تهتز الثقة في سلاسل الإمداد، وتهتز قدرة الدول على التخطيط المالي.

  • البنوك المركزية تعيد حساب توقعات التضخم.

  • شركات الشحن تعيد تقييم عقودها.

  • المصانع تؤخر الطلبيات خوفًا من ارتفاع الكلفة.

  • المستثمرون يقلّصون تعرضهم في الأسواق الناشئة.

  • حتى الحكومات تُعيد ترتيب احتياطياتها الاستراتيجية.

كل هذا… لأن البحر "قد يُغلق" — ولو ليوم.

🧠 في عمق المسألة: لماذا "الثقة" أهم من النفط نفسه؟

  • النفط موجود… في الآبار والمخازن.

  • السفن موجودة… والناقلات جاهزة.

  • المشترون موجودون… والطلب العالمي لم يتغير.

لكن… إن فُقدت الثقة بمرور الإمدادات، تبدأ الأسواق في التسعير بناءً على المجهول — وليس على الوقائع.

والمجهول… أغلى كلفة من النفط.

لهذا نقول:

ليس مضيق هرمز وحده من يتحكم بالسوق، بل "صورة" المضيق في خيال المستثمرين. وفي الاقتصاد… الخيال وحده كفيل بأن يُحرك المليارات.



📊 عندما تتحدث الأرقام… قبل أن تُغلق المضائق

منذ بداية التوتر بين إيران وإسرائيل في الأسابيع الماضية، ارتفعت أسعار النفط العالمية بحوالي 11٪.لم تُغلق المضيق. لم تنطلق حرب بشكل واسع . لم يُطلق صاروخ على ناقلة…ورغم ذلك، قفزت الأسعار بهذا الشكل.

لماذا؟

لأن الأسواق لا تنتظر الأحداث… بل تُسعّر الخوف من الحدث.

السوق الحديثة — بكل تقنيتها، وبورصاتها الرقمية، وصناديقها الذكية — ما تزال في جوهرها كائنًا عاطفيًا:تتحرك بالخوف، تطمع في الأمل، وتُرتجف أمام الغموض.

ولهذا… حين تُعلن إيران أن "المضيق قد يُغلق"، تبدأ:

  • شركات الطاقة بتأمين احتياطيات إضافية.

  • المستثمرون بشراء عقود النفط الآجلة تحسبًا للارتفاع.

  • شركات الطيران بحجز الوقود تحسبًا لزيادة التكلفة.

  • الدول المستوردة بإعادة النظر في مخزوناتها الاستراتيجية.

وكل هذا — رغم أن المضيق ما زال مفتوحًا.


🔁 اللعبة النفسية: لماذا يقفز النفط أضعاف الحقيقة؟

في الأزمات الكبرى، هناك فارق دائم بين:

1️⃣ ما يحدث على الأرض2️⃣ ما يتوقعه السوق

والثاني… أكثر تأثيرًا من الأول.

مثال:

  • إنتاج النفط العالمي اليوم في حالة جيدة.

  • الطلب لم يرتفع فجأة.

  • المخزونات ليست في حالة نقص خطير.

ومع ذلك… قفز السعر 11٪ — بسبب عنصر واحد: مخاوف الإمداد.

🧠 لماذا هذا مهم؟ لأن الاقتصاد لا يتحرك بالعقل فقط.

لو كنا في سوق مثالي… لما تحركت الأسعار حتى يحدث شيء ملموس.

لكننا في سوق "إنساني" — تتحركه:

  • الإشاعات،

  • التصريحات،

  • التغريدات،

  • والصورة الذهنية.

ولهذا… حتى مجرد تهديد مضيق هرمز يُولد حركة ضخمة في السوق — قبل أن تتحرك سفينة واحدة.


💥 من قفزة النفط… إلى قفزة المخاطر

ارتفاع 11٪ في أسعار النفط خلال أسابيع يعني:

  • 📈 قفزة في كلفة الشحن البحري.

  • 🏭 قفزة في تكلفة إنتاج السلع الصناعية.

  • 🚗 قفزة في أسعار الوقود للمستهلك النهائي.

  • 🏦 ضغوط إضافية على البنوك المركزية في معركتها ضد التضخم.

بمعنى آخر:

  • الارتفاع في سعر برميل النفط… ليس رقمًا في بورصة،بل هو موجة ترتد إلى المستهلك العادي — في كل مكان في العالم.


🔚 حين يصبح السوق رهينة… لتصريح سياسي

أكبر درس في هذه الأزمة:لم يعد الاقتصاد معزولًا عن السياسة… بل أصبح رهينة لها.

وكلما ضاق الممر (مثل مضيق هرمز)… اتسع الخوف، وكبر أثر التصريحات.

وهكذا… في عالم الطاقة:

  • المضائق الضيقة

  • التصريحات الغامضة

  • الأزمات المتكررة

تحكم أكبر سوق عالمي… سوق الثقة.




🔮 ماذا لو أُغلق المضيق فعلًا؟ عندما تتحول المخاوف إلى واقع

حتى الآن… العالم يتعامل مع التهديد.لكن… ماذا لو تحوّل التهديد إلى فعل؟ماذا لو، في لحظة واحدة، استيقظنا على خبر عاجل:

"إيران أغلقت مضيق هرمز."

ليس السيناريو خيالًا، بل احتمال يُحسب له في كل مراكز الأبحاث، وكل شركات النفط، وكل البنوك المركزية.


ree

🛢️ السيناريو الأول: صدمة النفط

لو أُغلق المضيق:

  • سيفقد السوق فورًا 15 إلى 20 مليون برميل يوميًا من الإمدادات.

  • الأسعار قد تقفز 15٪ — وربما أكثر — خلال ساعات.

  • شركات التأمين البحري سترفع أقساطها بشكل هائل.

  • ناقلات النفط ستُجبر على الدوران عبر طرق أطول وأكثر كلفة.

  • بعض الدول ستُسرّع استخدام المخزونات الاستراتيجية (SPR).

  • الدول المستوردة الكبرى (الصين، الهند، اليابان) ستدخل في مفاوضات طارئة.


⚓ السيناريو الثاني: شلل في سلاسل الإمداد

  • النفط ليس وحده سيمر بالخطر.

  • الغاز المسال (LNG) أيضًا سيمر عبر الأزمة — وهنا ستُعاني أوروبا وآسيا.

  • النقل البحري للبضائع من موانئ الخليج سيتباطأ.

  • تكاليف الشحن سترتفع… وستظهر اختناقات في سلاسل التوريد.


🏦 السيناريو الثالث: قلق الأسواق المالية

  • البورصات العالمية ستتراجع بفعل المخاوف من التضخم.

  • الدولار قد يقفز كملاذ آمن — لكن على حساب عملات الأسواق الناشئة.

  • الذهب سيرتفع باعتباره ملجأ تقليديًا.

  • أسهم شركات الطاقة ستقفز… لكن القطاعات الاستهلاكية ستتضرر.

  • صناديق التحوط ستدخل موجة من المضاربات العنيفة.


🎭 بين كل هذه السيناريوهات… يبقى العنصر الأخطر: "عدم اليقين"

ليس إغلاق المضيق هو ما يُربك الاقتصاد… بل عدم اليقين حول مدّته:

  • هل الإغلاق ليوم؟ لأسبوع؟ لشهر؟

  • هل هناك مساعٍ دبلوماسية؟ أم سيناريو حرب شاملة؟

  • هل سترتفع الطاقة البديلة؟ هل ستدخل أوبك+ كعامل توازن؟

كلما طالت حالة "اللا وضوح"، أصبح السوق أكثر توترًا، والمستهلك أكثر قلقًا، وصنّاع القرار في وضعية دفاع لا هجوم.




🕯️ في ختام المشهد: هل العالم يستطيع تحمّل إغلاق المضيق؟

في لغة الاقتصاد الواقعي… لا شيء مستحيل.العالم قد يتحمّل يومًا… يتحمّل أسبوعًا… لكنه لا يستطيع تحمّل إغلاق طويل لمضيق هرمز دون أن يدفع الثمن:

  • التضخم سيخرج عن السيطرة في دول عديدة.

  • أسعار الطاقة قد تُضعف قدرات المصانع والقطاعات الحيوية.

  • الأسواق المالية ستعيش حالة من "القلق المستدام".

  • العلاقات بين الدول العظمى ستدخل مرحلة أكثر توترًا.

والأهم: ثقة العالم في استقرار سلاسل الإمداد ستتآكل.

لكن… الحكمة الأعمق التي يجب أن نتعلّمها من هذه الأزمة هي:أن الاقتصاد الحديث هشٌّ أكثر مما نظن.وأن أرقام النمو، والأسواق المزدهرة، والرخاء العالمي… كلها تقوم على أعمدة خفيّة:

  • ممر مائي مفتوح

  • ناقلة تمر بأمان

  • تصريح سياسي محسوب

كلما فهمنا هذه الهشاشة… كلما عرفنا أن الاستثمار الأذكى ليس في "أرقام اليوم"، بل في فهم المخاطر الحقيقية التي تُحرّك السوق.


حين يُهدد المضيق… لا ترتجف الأسواق فقط.بل تهتز فلسفة الاقتصاد الحديث — الذي اعتاد أن ينمو على افتراض أن كل شيء "سيمرّ غدًا كما مرّ اليوم".

وفي النهاية… ليست السفن هي ما يحمل العالم إلى الأمام.بل الثقة.

وحين تتوقف هذه الثقة… يتوقف كل شيء.

 
 
 

Comments


bottom of page